على قارعة الطريق

Posted: October 23, 2011 in Uncategorized

(( في تلك الزاوية المظلمة …. ارتفعت صرخاتها….. وتعالى بكاؤها….. مضت اللحظات ثقيلة وكأنما تجر وراؤها الجبال الراسية… وازداد عويلها وتلقفته الجدران المحيطة
بها لتعيده صدىً قاتلا لآذناها الصغيرتان… ولكن لا مجيب!

لم تكن تعرف معنى للألم .. سوى إحساسها بالجوع الذي قرصها منذ ساعات … ولم تكد تتذوق من الحياة سوى نفحات الهواء الباردة التي  تسللت إلى جسدها الصغير…

هي طفلة ما زالت في أسابيعها الأولى …. ولكن الحياة استقبلتها بوجوم….. وحكمت عليها بالشقاء منذ أن سكن نور الحياة عينيها… لم تجد حضنا حانيا يضمها… ولا صوتا هادئا يناغيها.. لم تسمع سوى مواء القطط … ونعيق الغربان..

كان المكان الوحيد الذي ضمها رصيف مهجور وسماء مكفهرة… وجدار متهدم هو سور لمسجد صغير قلة هم مرتادوه…

أما كيف كان وصولها إلى هناك فقد ألقت بها يد الظلم التي تناست أن هناك مطلع على ما جنت… وأن العقاب سيقع بها ولو بعد حين…. ألقت بها ولسان حالها يقول قد يلتقطها بعض السيارة.. دون أن تضع في حسبانها ما قد يصيب البريئة من أذى…

ومازال بكاؤها يقطع سكون الليل… وما زال ضمير الإنسانية غافيا على عتبات الظلم والوحشية… وما زالت روحها تتذبذب بين الصعود والبقاء…

 رغم انعدام خبرتها في الحياة …. إلا أنها كانت تبحث عن مصدر تستمد منه الأمان… وهنا شعرت بجسد ناعم يلفها..أشعل دفئه الأمل في قلب كسير لا يفقه شيئا من معاني الحياة….ثم بدأ صوتها يخبو شيئا فشيئا كلما اشتد التفافه حول جسدها الصغير حتى بدأت الروح تتسلل مغادرة أطرافها… وسكنت أوصالها وبدأ البرد يحضن كيانها الصغير… وبدأت رحلتها نحو العالم الآخر وكأنما لفظتها الدنيا بما فيها…كما لفظها حضن من فقدت إحساس الأمومة منذ سويعات…. ولكن كل هذا انتهى عندما انقضت قطة أنهكها الجوع لتنهش بكل نهم لإشباع جوعها واستعادة رمقها بعد أن كانت على مشارف الموت….

وهنا عاد صوتها ليرتفع من جديد…وبدأ بكاؤها يعلو….ولكن المكان لم يعد هادئا كما كان فقد ارتفع للتو أذان الفجر مناديا الناس بأن هلموا لأداء الصلاة… ومع ارتفاع الأذان اقتربت بخطوات عجلا من الرصيف المهجور…. فقد وصل إلى سمعي صوت البكاء الجريح.. وأقبلت أبحث عن مصدره.. وهنا صعقت من هول ما وقعت عليه عيناي فقد كانت الطفلة مغطاة بالدماء .. بينما تمددت بجوارها تلك القطة .. وتناثرت أشلاء عرفت فيها بقايا أفعى ضخمة كانت ضحية لأنياب القطة التي غفت بعد أن خمدت ثورة الجوع لديها…وهنا حملت الصغيرة بين
ذراعاي.. وفي داخلي سؤال يتردد.. من تكون؟؟ ومن تركها هنا؟؟ ومنذ متى؟؟  أسئلة مازلت أبحث عن أجوبتها… وقمت بنقلها إلى أقرب مستشفى للاطمئنان على وضعها الصحي … وما زالت تداولها الأيدي حتى استقر بها الحال في إحدى دور رعاية الأيتام …. وهنا بدأت صفحة جديدة من كتاب حياتها ….

رغم أن الحياة قد أخذت منها الكثير.. والكثير.. إلا أنها بدأت تعويضها شيئا مما فقدته.. فكان أول شيء حصلت عليه ..بعد أن فقدت دفء صدر الأم الحاني..هو ورقة تثبت وجودها…))

هنا توقفت عن القراءة ونظرت إليها وقلبي يعتصره الألم… فقد كان اعترافها لي بحقيقتها أمر غريب ومفاجئ.. ونطق لساني بعبارة لم أمنحها حقها من التفكير…

  – إذا.. لديك شهادة ميــــلاد!! ما الذي كتب فيها ؟؟!

أجابتني ونظرة الحزن ما زالت تقطن عينيها…منحتني هذه الورقة اسما… منحتني مسقط رأس.. ولكن لم تمنحني الحب…ذلك الأمر الذي أمضيت معظم أيامي لاهثة وراءه …باحثة عنه..أتخبط في دروب الحياة..وتتقلب بي أمواجها… وما زلت أتتطلع إلى الوصول إليه…

    – ولكنهم اختاروا لك اسمـا جميلا ” أمـــل”..

 نعم اسم جميل ولكنه مجرد وهم… فالاسم ليس هو الاسم… والمكان ليس هو المكان… ليس في حياتي أي أمل … إنما هي حياة شقاء و ” ألـــم “…

ساد الصمت وأنا أتأمل تلميذتي  الحزينة… وفي داخلي تزاحمت الأسئلة… يا لها من مأساة أكتشف وجودها في مجتمعنا لأول مرة.. ليست أمل هي الوحيدة التي تعيش هذه
الحالة….

مضت الشهور الأولى من عمرها.. ولكنها لم تمض كغيرها من الصغار…لم يكن هناك من أم تنتظر كلماتها الأولى.. أو أب يترقب خطواتها العاثرة.. كان كل ما عرفته هو حاضنة توزع ساعات يومها بين طفل وآخر…

قاسية هي الحياة بالنسبة لها فقد وصمتها باليتم منذ أن اتسعت مداركها لتسأل عن أب رحيم وأم حنون …. كان كل ما تعرفه عنهما هو أنهما قد رحلا عن الوجود منذ زمن… وأن ليس لها من مأوى آخر سوى تلك الدار التي حطت رحالها فيها منذ الصغر…

عاشت سنين الطفولة الأولى يشاطرها الألم وغربة الروح الكثير من أمثالها… كانت الدار تعج بالأطفال على اختلاف ألوانهم وأشكالهم و مبررات وجودهم… إلا أنهم اتفقوا في مسماهم… أيتام…

وتكبر الطفلة ومعها تكبر تساؤلاتها واستفساراتها.. فوجودها في هذا المكان هو معضــلة لا تعرف لها حــلا.. ولغز لم تتوصل بعد إلى إجــابته.. والمتأمل في عينيها يستطيع قراءة ما كتبته الأيام فيها من جروح…

وفي داخل أمل كانت الأفكار تتصارع.. فهي ترى في عيني معلمتها تساؤل عن السبب الذي دفعها للبوح بحقيقة واقعها لها… إنها لا تعلم بأنها مصدر أمن أشرق في حياة الفتـــاة… فهي لم تحظ بالاهتمام من قبل لذاتها هي بل كان التعامل معها مبدؤه الشفقة والرحمة… وابتسمت أمل وهي تتذكر حلمها بأن يكون لها أسرة سعيدة.. تحضن فيها أطفالها مع زوج محب يكد ليؤمن لأسرتهما الصغيرة حياة كريمة.. كانت تريد أن توفر لأطفالها الحنان الذي افتقدته منذ نعومة أظافرها.. وكانت تطمح بأن تتذوق طعم الأمــــان الذي لم تعرفه قط…

إلى أن عرفت حقيقتها المرة… لم يكن من السهل إطلاعها على سر وجودها في هذه الحياة.. فمنذ سنين عدة وهي تبحث عن هويتها المجهولة… وهاهي الآن تعرف أن لا أب لها ولا أم.. وأن قدرها أن يعاقبها المجتمع على خطيئة لا ناقة لها فيها ولا جمل.. كان وقع الحقيقة عليها قاسيا.. وكانت ردة فعلها عنيفة.. لم تقبل بواقعها الجديد.. ولم تصدق قصتها المؤلمـة.. وسكن الانكسار نفسها المتطلعة إلى المستقبل.. ومات حلمها الصغير… وضاعت في دوامة قوية.. تأخذها الأفكــار بعيدا… ثم تلقي بها بشدة على أرض واقعها القاسي… وهنا تأخذ شخصيتها
منحى جديدا…

لم يعد الهدوء والاتـزان سمة لها… و تغيرت جميع الخطط التي رسمتها لنفسها.. فقد أصبح مجتمعها الرافض لوجودها هو عدوها الأول بعد أن كانت ترى فيه الحضن الكبير الذي يحتويها وأمثالها من      ” الأيتام”…وابتسمت عندما لاحت الكلمة في خيالها… أيتام… تلك الكلمة اللطيفة التي أطلقت عليها لتخفف من وطأة حقيقتها المرة… وهنا ثار السؤال الحائر الذي أرقها منذ أيام…. منذ أن تلقت الخبر بعودة أمها…وبدون تفكير ألقت به على مسامع معلمتها التي منحتها الثقة في نفسها…

– تخيلي معلمتي أن أمك تريد استعادتك بعد ثمانية عشرة عاما ؟؟!! ماذا ستفعلين ؟؟؟

كان السؤال محير وإجابته أيضا محيرة …تأملتها المعلمة قليلا وأجابتها… ألتقي بها وأعرف ماذا تريد.. وما الذي جعلها تتخلى عني عندما كنت في أمس الحاجة إليها…
-ولماذا عادت الآن بالذات… أجابتها معلمتها وفي داخلها كره شديد لهذه الأم التي ألقت بابنتها ذات يوم في مكان لا تطرقه الأقدام إلا نادرا.. وكأنها تسعى لقتل تلك
البريئة التي لا ذنب لها في الحياة إلا أنها كانت ابنتها…


ولكني التقيت بها ولم تجبني على الأسئلة التي أرقتني منذ عدة سنوات… لم تشفي قلبي الجريح الذي بكى مرارة اليتم سنينا طوالا… كان كل ما تريده هو استعادتي ومحاولة تعويضي ما فقدته
من حنان الأم.. و دفء الأسرة فيما مضى من سنين…


وما هو قـــرارك ؟؟!!

قراري!!.. صمتت أمـل بعد أن نطقت بهذه الكلمة… وهنا انطلق رنين الجرس…. ليعلن انتهاء اليوم الدراسي… نهضت أمل وكأنها كانت تبحث لها عن مفر من إجابة
السؤال الصعب… ولم تجرؤ المعلمة على تكرار سؤالها… حتى لا تنعش الألم المستوطن صدر تلميذتها…حملت أمل حقيبتها على كتفها… وفي داخلها حملت همومـا … وثارت
عواصف من العواطف والتساؤلات … وغاصت في طوفـان أفكارها…

لم تكن أمل لوحدها في تلك الحافلة التي اعتادت أن تقلها إلى حيث تريد… بل كان الضجيج من حولها…. يثير توترها…. وكانت كثرة مثيلاتها.. تعتم الرؤية لديها… لم تعد الصورة واضحة… فهي لا تعرف الآن إلى من تنتمي… إلى هذه الفئة التي شاطرتها كأس الحرمان… وعايشت معها اليتم السنين الطوال…إلى ضحايا آباء وأمهات ضلوا عن جادة الطريق… أم إلى هذا المجتمع الذي يرفضها ويرفض وجود أمثالها…. و تلك الأم التي تفتح لها ذراعاها كي تعود للعيش تحت كنفها… بعد أن ألقت بها خلف ظهرها منذ أمـــد…

_ “أمي”!!.. يا لها من كلمة تمنيت أن أنطقها دومــا… وعندما لفظها لساني لم يكن لها معنى… أين كانت عندما كنت مولودة أتضور جوعا على قارعة الطريق؟؟..
أين كانت في اليوم الدراسي الأول… وجميع الفتيات يرتمين في أحضان أمهاتهن خوفـا من مصير مجهول.. في عالم جديد؟؟.. أين كانت عندما بدأت مرحلة جديدة في حياتي…
عندما بدأت أودع سنين الطفولة وأنتقل إلى عالم النساء , عندما كبرت احتياجاتي وتبدلت أحاسيسي؟؟!!

لم أشعر بالرغبة في أن ألقي بنفسي في حضنها… لم أشعر سوى بالجمود… والبرد الذي لفني عندمـا التقت عيناي بعينيها… لم أشعر بلهفة ولا شوق… وأنا ألتقي بها لأول مرة… كنت أحلم فيما سبق بأم تضمني بعطف…. وألقي برأسي الذي أثقلته هموم الحياة..على صدرها… كنت أنتظر منها ان تربت على كتفي الذي أنهكته السنين… وجدت نفسي على جسر معلق وأنا عاجزة عن التحرك.. فأمامي أم أجهلها تمد لي يد ذات ملمس خشن… وخلفي مجتمع ينظر لي نظرة ازدراء.. والعواصف تهب من كل اتجاه.. والجسر يتحرك بقوة وأنا أفقد توازني  وفجأة وجدت نفسي أسقط بقوة نحو الهاوية…

فتحت عيناي لأجد نفسي على سريري الصغير.. الذي بللته دموعي كثيرا.. واحتواني بعطف ولين فيما مضى من سنين..وفي عقلي مشروع قرار لم يكتمل بعد… وبجواري تلك الورقة التي تحكي حالتي على الرصيف المهجور…

بعد زيارتي لدار الحضانة

مازال قلبي ينبض

Posted: October 23, 2011 in Uncategorized

لم أكن أعلم ما تخفيه لي الحياة في طيات سنواتها من أحداث… لم يدر بخلدي أن عالمي الوردي سيتحول إلى كوم رماد من الأحلام تذروه الرياح… لم أكن أتوقع أن كل ما شيدته سينهار في لحظة فقد فيها العقل توازنه، وأضاعت فيه البصيرة صوابها، وحطم فيه غرور الكبرياء عنفوان وكرامة الإنسانية، لم يخطر لي أبدا أن تاريخ لقائي به هو نفسه تاريخ بداية مأساتي بل إنه تاريخ بداية موتي البطيء الذي كان هو الحكم فيه والجلاد…

كنت ماضية في سبيلي أرسم خطوط مشاريع مستقبلي وأتخيل حياتي وقد ملأ النجاح لحظاتها..ورفرفت طيور السعادة على عشها… ظننت أن هذه الحياة مليئة بالحب والإخلاص كما انطوت عليه سريرتي…إلى أن زار عالمي واقتحم هدوء حياتي ليحوله إلى عواصف هوجاء، وأعاصير غاضبة، اجتاحت قلبي وقتلت فيه كل مشاعري التي زرعتها الأيام الجميلة..

وجدت نفسي وقد وقعت تحت قيوده، أسيرة له ولقفصه الذهبي الذي دخلت إليه بإرادتي، وقد كانت بداية حياتي معه أجمل بداية، حلمنا بأسرة يظللها الحب، نربي أبناؤنا على مبادئ ديننا وحب بلادنا، عشنا اللحظات الأولى من عمرنا المشترك بغاية السعادة، نخرج إلى أعمالنا باكرا ونعود لنلتقي بلهفة وشوق بعد انتهاء ساعات عملنا, كنت أراقبه بفخر شديد وهو يرهق نفسه ليلا لإنجاز مخطط جديد أو إتمام مشروع هام، كان مخلصا في عمله كمهندس؛ فقد وهب عمله جل وقته ليساهم في دفع عجلة الحضارة والتطور في بلادنا الحبيبة، كان دائما ما يشجعني إذا ما شعر بأنني كللت من عملي كمعلمة وغرقي في التحضير والتصحيح وغيرها من أعمال بل بلغ به أن ساعدني في تصميم وسائل تعليمية تساهم في إيصال المعلومة وتبسيطها،  كل ذلك كان ولكن ما الذي غيره وقلب موازين حياتي معه؟؟! سؤال أرقني وحير فكري ولم أفهم بعد إجابته!..

كان يحدثني دائما عن أحلامه و طموحاته منذ صغره وكيف أنه اجتهد في دراسته وسهر الليالي الطوال كي يصل إلى حلمه ويحقق ذاته، مازلت أذكر دموعه التي اغرورقت بها عيناه عندما حدثني عن حفل تخرجه وكأنه يعيش اللحظة من جديد، وجدته يبتسم ويقول بأنه قد شعر في تلك اللحظة بشديد الامتنان لكل من مد يد العون له أو همس بنصيحة محب إليه ولكن ماحصل بعد ذلك قد حطم ثقتي اللانهائية به،  يا إلهي ما الذي جرى ودمر هذا كـله ؟ ما الذي حول حبه الهادئ إلى بركان كراهية ثائر ؟

مضت سفينة حياتنا بأمان في بحر الحياة الضخم, ورزقنا بأول طفل لنا وحينها وجدته يكاد يطير فرحا، كان أبا حنونا يحلم بأجمل مستقبل لفلذة كبده وقرة عينه، لم يكن حبه الأبوي عاديا بل كنت أشعر به نهرا دافقا لا يكاد نبعه أن ينضب، كنت أتأمله وهو يداعب طفلنا البريء بحنان غزير و مودة جارفة، ولكن كيف تحولت تلك العواطف السامية إلى أنانية قاسية و وحشية دموية؟

لا أعلم كيف استطاع قتل كل شيء جميل ؟! وكيف تجرأ على وأد حياتنا الآمنة ؟! كيف هان عليه قلبي وحبي الذي وهبته إياهما بلا تردد؟! ولكني متيقنة أنه عندما فعل ما فعل لم يكن هو نفس الإنسان الذي شاركته الحياة….

  وتدور بنا الحياة، وهو يزداد نجاحا و أحوالنا تزداد استقرارا، إلى أن قرر يوما حزم أمتعته والرحيل من أحضان الوطن، فاجأني قراره بل زلزلني وهز كياني، لم أعتد منه أن يفرض علي الواقع سوى هذه المرة، لم تجدي توسلات والدته وبكاءها المرير في ثنيه عما عزم عليه، لم يرحم براءة طفلنا الصغير رغم حبه الشديد له, أما أنا فلم أحاول اعتراض طريقه ولكني أطلقت لدموعي العنان ورفضت توديعه آملة أن يهزه الموقف ولكني اكتشفت أنني قد خسرته للأبد…

رحل بعزم ثابت لتحقيق هدفه وهو الجهاد في سبيل الله ورفع راية الإسلام فوق بلاد ساد فيها الجهل وطغى الظلم و انتشر الفقر.. كان مقتنعا بأنه لن يشارك في القتال فقط بل أنه ينوي المساهمة في فتح الطرقات وتعمير البلاد وإعادة الحياة إليها بعد أن دمرتها الحروب والصراع الدائر على السلطة… رحل وتركني وابننا وحيدين, رحل بكل قسوة عن عالمي وكأن وجودنا لا يعنيه، ومرت الأيام بما فيها من حلاوة ومرارة إلى أن جاء ذلك اليوم الذي عاد فيه أدراجه، وطرق بابي من جديد…

 لم يكن وقع المفاجأة سعيدا بقدر ما كان قاسيا, فقد عاد إلي ولكنه لم يعد كما رحل, شعرت وأنا أستقبله وكأنني أراه لأول مرة, لم يكن هو الإنسان الذي عرفته والذي غادر منذ أعوام, لم أشعر بنظرات الشوق الذي اعتدته في عيناه, لم تكن ملامح وجهه هي نفسها بل لقد غرست القسوة أنيابها في ربوعها، حتى عندما ضم إليه ابنه بدا وكأن موسم الجفاف قد طغى على قلبه وسكن بين ذراعيه…

عاد إلينا بعد أن أنهكته الحرب وأرهقته المعارك، نعم عاد جسده خاويا من تلك الروح المرحة، وذلك الحب الدافق الذي اعتاد أن يسكبه على كل من حوله, بدت حياتي معه وكأننا لأول مرة نلتقي…..

لم يعد يشاركني طموحه كما كان يفعل قبل سفره, كانت عيناه تجوبان العالم من حولنا في حيرة, كانت نظراته في معظم الأحيان شاردة تائهة حيرى, لقد فقد وجهه معالم الحياة فأصبحت أتخيله صحراء ماتت فيها حتى نسمات الهواء, لم يعد يخطط لمستقبلنا ومستقبل ابننا كما كان ديدنه قبل الرحيل,  لم يعد يشعر بالحماس لعمله في مجال الهندسة بل لقد رأيته وهو يمزق ما نسجه عقله وأبدعته يداه من تصميمات كان قد سهر عليها الليالي الطوال حتى أنهاها, مزقها وزرع الرعب في جوانحي فقد كانت غالية عليه ولكنه في لحظة جنون أبادها, بدأت أشعر بالقحط يزحف شيئا فشيئا على علاقتنا حتى أنه فقد شعوره بوجودي إلى جانبه, بدأت أحلامنا العريضة تموت ولكنها تموت على يده هو – على يد من بناها- , كنت أشعر في معظم الأحيان أنه يستمع إلى أصوات لا يسمعها سواه , كنت أشعر بأنه مسير وانه ينفذ ما تمليه عليه تلك الأصوات…

 ما زلت أذكر الجمود الذي كسا وجهه عندما ذكرته بتاريخ يومنا الوطني حيث اعتدنا على جعله يوم مفتوح في حياتنا ننظم فيه البرامج والزيارات الخاصة للأماكن التاريخية في بلادنا.. لم يبدو عليه الحماس كسابق عهده, لا أدري ما كان سبب ذلك ؟ ! ترى هل فقد شعوره بالانتماء ! أم أنه قد نسي كيف يفرح ! أم أنه لم يعد يشعر بطعم الحياة فتجربة الحرب هي مأساة لا يمكن الاستهانة بتأثيرها، كنت أملي نفسي بأنه لابد أن يعود لي بعد أن يستقر وتزول تجاربه المريرة من ذاكرته، ولكني اكتشفت أن الشر قد استفحل في بيتي, وأن الأمن الذي كان يظلله قد مضى في حال سبيله، وأن الفرح قد غادر حياتنا بلا رجعه، وبدا لي واضحا جليا أن الخلافات قد قررت أن تحل ضيفة ثقيلة على حياتنا…

و تمضي بنا الحياة وتدور بنا دوامتها إلى أن قادتني الصدفة إلى معرفة سر الجدب الذي سيطر على منـزلنا, حينها لم تحملني قدماي وسقطت أحلامي من عل, ووجدت نفسي أرتطم بصخور الحقيقة بعنف, كذبت عيناي وأذناي وحاولت السير وراء نداء قلبي, ولكنني فقدت الدليل وتهت, فبعد أن كذبت ملاحظتي بارتباكه كلما شاهدنا أخبار أبناء بلدي الذين ضلوا الطريق وجردوا سيوفهم ضد وطنهم, فقد كنت أقول لنفسي بأن ما أراه ليس إلا علامات الغضب لما يحصل من هؤلاء, ولكني ما لبثت أن اكتشفت أن ما كنت أشاهده لم يكن سوى رد فعل طبيعي يشعر به من تبنى هذا التفكير تارة غضبا على فساد مخططاتهم وتارة خوفا من أن تطاولهم يد الأمن وتقضي عليهم، لم استطع تصديق شكوكي ولكنها مع الأيام تحولت إلى يقين، فغيابه المستمر الغير مبرر عن البيت و أسلوب الإيحاء واستخدام الرموز المبهمة في مكالماته كلها جعلت شمس الحقيقة أمام عيناي, وهنا أصبحت أقف على مفترق طرق وبات الاختيار أمر محتم!!!

كنت ما زلت أبحث عن دليل قبل أن أظلم من قدمت له حياتي فليس من السهل أبدا أن أصدق ما توصلت إليه من حقائق فحبي له وإخلاصي وقف حائلا بيني وبين ذلك،  وبينما كنت أفكر فيما آل إليه حالنا وما حملني على الشك به من مواقف وأحاول أن أستشف سبب غيابه المفاجئ منذ البارحة إذ انتزعني رنين الهاتف من طوفان أفكاري فأسرعت إليه آملة أن يكون هو المتصل لينبئني بسبب تأخيره، ولكن ذلك الاتصال كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير, لم يكن المتصل سوى والدتي التي أجهشت في بكاء مرير ولم أستطع لثوان قليلة استيعاب كلماتها التي اختلطت بحسراتها وآهاتها إلى أن اخترقت كلماتها صميم قلبي ومادت بي الأرض وفقدت إحساسي بما حولي للحظات….

إذن لم يكذب إحساسي بما استوطن شريك حياتي من شر, وفتحت شاشة التلفاز وأخذت أراقب ذلك الإعلان الذي كان اسمه وصورته أبرز ما أتذكره من معالم وأخذ صوت المذيع يتردد من حولي وهو يعلن عما خصص من مكافآت لمن يدلي بمعلومات تساهم في الكشف عن أحدهم، لم يكن من السهل أن أرى تعلق ابني البريء بالتلفاز وتعالي صوته “بابا ! انه بابا يا ماما ” !!! لم استطع منع دموعي من أن تسلك طريقها خارج بوابة عيناي، فهو لا يعلم ماذا فعل أبوه للتو ولا يمكن له أن يفهم كيف أن مصدر أمانه وشعلة حبه هو مصدر خطر داهم وشعلة شر مستطير ولكن ضد من ؟! ضد وطنه… ضد ذلك الحضن الدفيء الذي ضم الملايين….

ما زال صغيري يقفز فرحا .. وفي ذاكرتي مر شريط حياتي سريعا بكل لحظاته… وفي صدري شعرت بنبض قلبي ثقيلا مدويا…. وفي حنانٍ جارف ضممته إلى صدري -ضممت حلمي الصغير وأملي الوحيد- وبحسرة كتمت آلامي واستجمعت ما تبقى داخلي من شجاعة..و وجدت نفسي أهمس إليه وكأنه سيعي ما
أقول…  ” لا تبكي يا صغيري, ولا تحزن فلن يوجه أحدُ إليك اللوم على ذنب أبيك ، قد أخطأ والدك ورحل، باع حياته معنا واشترى حياة التشرد والضياع، نسي عهوده و مواثيقه التي كان قد قطعها على نفسه ومضى في  الطريق الذي اختاره، لا تعتقد عزيزي أنك ستدفع ثمن ما جناه والدك عليك، فأنت ضحيته الأولى ولن تكون الأخير , امض في حياتك نحو المستقبل بخطوات واثقة ولا تكترث بما أقدم عليه والدك ، سر في طريقك واعقد العزم على أن تصلح ما هدمه أباك , كن جنديا من جنود الوطن وأعلن الحرب على من حاربوا وطنك….حتى وإن كان والدك خصمك..كن مع الحق.

صغيري قد تكون فقدت أباك الذي طغى واستكبر ولم يهده عقله إلى أن يسلم نفسه عندما منحته يد الوطن المتسامحة الفرصة ولكنك كسبت وطنا لن يخذلك ما دمت تسير في ظلــه”…..وعلى وقع كلماتي… غفا الصغير وألقى برأسه على كتفي.. وعلى وجنته دمعة لم تكمل مسيرتها.. لم تكن هذه الدمعة الوحيدة التي انسكبت في هذا الوطن… فهناك الكثير من الضحايا ليد الضلال وفكر الضياع.. آه.. كم آلمني غدره!.. وعذبتني قسوته!.. لاح طيفه في مخيلتي..واعتصر الأسى قلبي وأنا أتخيل ما أفضى إليه حاله.. هاهو قد فارق الأهل والأحباب , وغادر مسكنه وهجر حياة الأمن والدعة , وخلد إلى حياة لا معنى لها ولا طعم , ها هي السهام مصوبة إليه وقلوب الناس _ حتى المقربين إليه _حانقة عليه , ترى هل هذا ما كان يبحث عنه أو هذه الحياة التي يرجوها ! ترى ما هي حاله الآن عندما يرى غيره من الآباء وأبناؤهم في أحضانهم !وهم يخرجون إلى أعمالهم مبكرين ويؤدون واجباتهم بإيصال فلذات أكبادهم إلى مدارسهم ، ألا يرق قلبه ويتمنى لو يكون بين أهله من جديد!؟ أم أن قلبه قد فقد شعوره بالحنين !؟ ألا يشعر بالندم على تركه لصغيره يذوق مرارة اليتم رغم أنه على قيد الحياة !؟ أم انه قد فقد مشاعر الأبوة التي تطغي قوتها دوما على كل الشرور! ألا يحرك الشوق جوانحه نحو أب أقعده العجز وأمُ أنهكها المرض ! ألا يفكر في تلك التي جعلته من أولوياتها في الحياة وقدمت له فؤادها وعقلها وروحها منذ أزل!
أم أن قلبه قد نسي أبسط متطلبات الحياة _ الحب !! ربما أنني قد فقدته… ربما رحل من حياتي .. ربما كان كل ما مضى وهماً.. ولكن هناك حقيقة وحيدة يقرها قلبي ويصدقها عقلي هي أن وطني _ يا لها من كلمة!! بل هي أجمل كلمة انبثقت عن شفاه الأقلام…و أروع معنى عرفته الأفهــام_  عشقته منذ صغري…وما زال عشقه يسري في دمي…ولا أتردد أن أهديه قلبي و روحي… وأفدي ثراه بكل ما أملك… و أقدم نفسي ومالي دونه…لم تكن لحظة الاختيار صعبة بقدر ما كانت حاسمة… فليس هناك من بديل لوطني الذي منحني الله شرف الانتماء إليه…. لست أجد من الكلمات ما يعبر عما في قلبي من مشاعر وما يدون حبي اللامحدود لذلك الكيان الذي احتواني منذ أن أبصرت عيناي… ورغم كل ما حدث مازال قلبي ينبض….بحب أغلى ثرى..فبحبه تلتئم جراحي.. وفي ربوعه يحيا أملي… وببقائه تستمر الحياة… وفيه ينتظرنا غدُ أجمــــل

من وحي خيالي 

My Beautiful Hometown

Posted: October 20, 2011 in Uncategorized

Home, SWEET home..

My Lovely Son

Posted: October 19, 2011 in Uncategorized

Here is my handsome boy…Faisal

 

Electronic-Games

Posted: October 19, 2011 in Uncategorized

I want to share these links with you. HAVE FUN.

http://www.eslgamesworld.com/members/games/vocabulary/labeling/BodyParts/index.html 

http://www.eslgamesworld.com/members/games/vocabulary/spelling/zoo%20animals.html  

http://www.eslgamesworld.com/members/games/vocabulary/memoryaudio/common%20jobs/index.html 

http://eslkidsworld.com/Interactive%20games/Vocabulary%20Games/Food%20&%20Drink/food%20and%20drink%20tastes%20grade%20no%20grade%20quiz.html

 http://www.barryfunenglish.com/enter/gHangman.php

 http://www.barryfunenglish.com/enter/gCrazyCups.php 

http://englishflashgames.blogspot.com/2011/06/scrambled-words.html 

http://eslgamesworld.com/members/games/ClassroomGames/Showdown/Adjectives%20opposites%201%20Showdown/index.html

My Philosophy of Teaching

Posted: October 19, 2011 in Uncategorized

” Teachers teach more by what they are than what they say”. Chinese proverb.

Since the first time we started studying English, I decided to be an English teacher. My first English teacher was a great teacher. She helps me a lot in learning the basics of English language. In my teaching, I was inspired by her character and her way of teaching. I believe that the teachers carries a great responsibility in her/his teaching. I also think that the duty of any teacher is to facilitate learning and help students to overcome any difficulties that face them. I consider my students’ success a precious goal I should achieve.

My Concept of Learning

I believe that to learn effectively ,you should enjoy learning. The process of learning should not be boring.  Students will learn easily if they love the subject. To accomplish this aim, I use different methods and aids. I try to make them love the subject and want to learn more.

What is teaching to me??

Teaching is so valuable career. A teacher should love what s/he is doing. As a teacher, I wish to make an effective difference in my students’ lives. I want to be a distinguished  and remembered by my students. I hope to be better than some of those who had taught me and do not repeat their mistakes. I believe that a teacher should be well prepared and caring. I will use a variety of methods in my teaching. I will use multiple  teaching strategies to engage my students. I want to be a good leader and a good friend.

My Policy with Students

I look forward to make my students better in their learning. I will try to open new horizons for them and make them see the world with an optimistic view. Helping them to be creative, good thinker and motivated  is my ultimate goal. I will encourage  them to depend upon themselves when going abroad or deal with any foreigner. I want to make my students eager to learn and         discover new knowledge. I will encourage them to be themselves and have more  self-confidence.

How to Teach?

To achieve a good learning experience, the teacher should use a variety of tools and techniques. I will encourage the use of technology. I will create a suitable atmosphere and an effective learning environment. I will try to understand every individual and their needs. I like my students to  participate effectively as I involve them in the activities. I like to have     different aids and new ideas when presenting my lessons. I hate to repeat  myself.

Looking for Being Better

It’s very necessary to look ” honestly and critically at our practice”. Two important questions should be asked and answered; ” How good are we now? ” and ” How good can we be?”… The first question helps us to find our weakness and the second one makes us think of what action we will take to improve our current case. I always search for new ideas, methods or technique to help me improve myself. I was a teacher and now a supervisor. Actually, I do not want to be the same  after many years. I try to search for courses in new techniques of teaching. I will attend classes for my colleagues and exchange ideas with them.

Hello world!

Posted: October 19, 2011 in Uncategorized

Hi there…

I am NEW here…

Welcome to my blog…